كنت في المطار ذات يوم وإذا برجل يركب على كرسي متحرك مبتسم ومشرق الوجه، لفت انتباهي بينما كنت أعاني من القلق لكثرة مشاكل حياتي ..
فتقدمت نحوه وسألته هل لك أن تخبرني بقصتك ولماذا هذا الفرح الظاهر عليك ؟؟
فانطلق متحدثا: في أحد الأيام ذهبت لأقطع بعض جذوع الأشجار لتتساند عليها أغصان الفاصولياء، وحملت هذه الجذوع فوق سيارتي، وفجأة سقط أحد هذه الجذوع تحت عجلات السيارة، وفي نفس اللحظة التي كنت انثني فيها إلى منعطف جانبي، فتعثرت العجلات في الجذع المتين، وانقلبت السيارة، وقد اصبت برضوض في سلسلتي الفقرية، وشلل في ساقي، الأمر الذي استدعى بترها.
كنت في الرابعة والعشرين حين وقع الحادث، ثم استفسرت منه عن الشجاعة التي واجه بها ذلك الموقف، فأجابني بأنه لم تكن له شجاعة في ذلك الوقت، فقد ثار بوجه القدر، وراح يغلي كالمرجل الذي يوشك على الإنفجار، ولكنه بمضي السنين، كان يجد أن ثورته لا تجديه إلا إمعانا في الشقاء. قال: (وأدركت أخيرا أن الناس كانوا رحماء بي، حانين علي، فوجدت أن أقل ما ينبغي لي حيالهم هو أن أكون رحيماً بهم، حانيا عليهم).
ثم سألته هل يحس، بعد انقضاء هذا الزمن الطويل، أن تلك الحادثة كانت مأساة مروعة فأجاب على الفور: ( كلا ! فإني سعيد بحدوثها ). ثم روى لي أنه بعد أن تغلب على ثورة نفسه بدأ ينسج لنفسه دنيا حافلة، فقد شغف بالمطالعة، وبدأ ينسيغ الأدب الرائع، وقد طالع في أربعة عشر عاماً نحوا من ألف وأربعمائة كتاب، فتحت له هذه الكتب آفاقا جديدة، وملأت حياته بهجة لم يكن يحلم بها، وكنتيجة لإعتياده المطالعة اتجه ميله إلى السياسة، فدرس المسائل العامة، وراح يلقى الخطب من مقعده ذي العجلات .. واليوم يشغل "بن فورستون" - وهو ما زال قعيد كرسيه ذي العجلات - منصب وزير الخارجية في ولاية فرجينيا.